الجمعة، 3 سبتمبر 2010
مرجعية الاعتدال, حصاد الأسبوع
مرجعية الاعتدال
حسين إسماعيل الصدر لـ «الشرق الأوسط»: أشاهد التلفزيون وأقرأ الصحف وأتصفح المواقع الإخبارية على الإنترنت كل يوم
لندن: معد فياض
يؤسس المرجع الديني آية الله العظمى حسين إسماعيل الصدر، لمرجعية «الاعتدال» عبر ممارساته التي يندر أن نجدها في أي مرجعية أخرى. فهو يتواصل مع الآخرين عبر شبكة الإنترنت ومحطة فضائية تحمل اسم «السلام»، ومراكز تنتشر حول العالم باسم «الحوار الإنساني» تهتم بكل ما هو ثقافي وحضاري، من ندوات ومحاضرات وأمسيات شعرية وقراءات قصصية وإقامة معارض تشكيلية، إضافة إلى إصدار هذه المؤسسات، دوريات ومطبوعات منتظمة، وهذه الأنشطة عرفت بابتعادها عما هو طائفي أو تأطيره باللباس الديني. والأكثر من هذا تشرف مؤسساته على عشرات المراكز والمعاهد التعليمية للبنات خاصة، ومن ثم الأولاد، إذ يتعلمون فيها علوم الكومبيوتر والرسم وفن الإلقاء والعلوم العامة، هذا بالإضافة إلى انتشار المراكز الصحية وملاجئ الأيتام والكليات ومراكز رعاية النساء والمعاقين التي تمتد من بغداد وحتى الأنبار، فهو ينظر إلى العراقيين باعتبارهم متساوين في كل الحقوق، لا فرق عنده بين مسلم وغير مسلم، أو بين سني وشيعي، أو بين عربي وغير عربي.
بين أزقة وحارات مدينة النجف التي عرفت بحوزتها العلمية وباعتبارها جامعة مفتوحة للعلوم الإسلامية والأدب العربي، ولد حسين الصدر عام 1952، وهو يتحدر من عائلة دينية عريقة، فهو مرجع ديني ابن مرجع، وابن شقيق مرجع، فهو نجل العلامة المجتهد، المرجع الديني آية الله السيد إسماعيل الصدر وعمه المرجع الديني آية الله السيد محمد باقر الصدر الذي أعدمه نظام صدام حسين مع شقيقته بنت الهدى (عمة حسين إسماعيل الصدر) في التاسع من أبريل (نيسان) 1980.
وبلا شك في أن يترعرع مثل السيد الصدر، ومنذ طفولته في بيوت علم ودين، وأن يتهذب على تعاليم الإسلام الصحيحة التي تدعو إلى المساواة والعدل والانفتاح على الآخرين، وأن ينطق، ومنذ أولى الكلمات التي تعلمها، بعربية فصيحة لا نشاز فيها، فهو وكما يؤكد في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنه «ابن عائلة تنحدر من الحجاز». فمنذ طفولته المبكرة وقبل دخوله المدرسة الابتدائية كان الصدر يتلقى دروسه في اللغة العربية ودروس حفظ القرآن الكريم وتفسيره على يد والده. ثم واصل الدراسة الابتدائية والمتوسطة إضافة إلى الدروس الدينية التي كان يتلقاها على يد والده. وبعد إنهائه الدراسة الإعدادية، التحق بكلية الفقه في النجف، وكذلك الدراسة على يد أستاذه المرجع أبو القاسم الخوئي وعمه محمد باقر الصدر، وقد أجيز من أستاذيه السيدين والده وعمه. وبعد استشهاد عمه وعمته، تعرض للاعتقال مرارا، وذاق ألوان التعذيب الجسدي والنفسي معا.
ومنذ حداثة سنه كان، ولا يزال، رافضا للخلط بين السياسة والدين، وعدم استخدام الدين والمذهب لأغراض سياسية أو شخصية، إذ أنتج هذا الاستخدام ممارسات طائفية. ويرى السيد الصدر أن «المشكلة العراقية لم تصنعها مكونات الشعب، فليس ثمة مشكلة بين سني وشيعي أو مسلم ومسيحي، لكنها تكمن في بعض الأحزاب السياسية التي تعتمد في برامجها أسسا طائفية أو دينية أو قومية، وهو يرى بعين ثاقبة أن الدين أكبر من السياسة وأعلى وهو الأب للجميع بمختلف أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم، وفي هذا الإطار يقول إنه لا يمكن أن يكون الدين مفردة سياسية ومن يجعل من الدين مفردة سياسية فقد أساء إليه ومن يستخدم المذهبية كمفردة سياسية فقد أساء إلى المذهب».
ويشير السيد الصدر إلى مشكلة كبيرة، وهي استخدام الدين من قبل السياسيين لخلق حروب طائفية، يقول «نحن نؤكد باستمرار أنه ليست هناك مشكلة طائفية ما بين أبناء الشعب العراقي، ولكن المشكلة هي ما بين السياسيين العراقيين، وبعض السياسيين الذين ليست لهم قاعدة شعبية وحاولوا اتخاذ التفرقة المذهبية والطائفية وسيلة من أجل الحصول على شيء من الامتيازات والقواعد الشعبية. إذن المشكلة ليست بين العراقيين، ولم تكن في يوم من الأيام مشكلة مذهبية بين أبناء شعبنا، لهذا نحن وفي أصعب الظروف في نهاية 2004 وبداية 2005 اجتمعنا واستقبلنا كل الأطياف العراقية وكل الديانات من مسيحيين وصابئة وأيزيديين وكل المدارس الإسلامية، ومن خلال مؤتمرات وندوات واجتماعات ناقشنا ورسخنا معا موضوع وحدة العراقيين، ولم تكن هناك أي مشكلة، لكن المشكلة أن بعض السياسيين حاولوا أن يخلقوا هذه المشكلات من أجل امتيازات خاصة لهم كحصولهم على بعض المناصب. وبخصوص بعض المحاولات التي نسميها محاولات دنيئة لزرع ثقافة الطائفية من قبل من يحمل هذه الثقافة، سواء بعض السياسيين أو غيرهم، قمنا بعقد الكثير من المؤتمرات واللقاءات التي أكدت الأواصر الإيمانية والأواصر الوطنية العراقية والإنسانية، ولله الحمد، أتت ثمارها على الساحة العراقية مع أن الساحة العراقية تعاني الكثير من الآلام والمشكلات».
وينبه هذا المرجع الذي وقف بشجاعة ضد مبدأ المحاصصات الطائفية، يقول «العراق لم يشهد لغة طائفية طيلة عمره السياسي، أقول ذلك وأنا أنتمي إلى عائلة تهتم بالشأن الديني منذ مئات السنين في العراق ولبنان والحجاز ولذلك أقول هذا ليس عن إيمان بل عن تجربة كذلك. لقد انهارت لغة المحاصصة بشكل واضح عندما انهارت الآمال الخفية المعقودة عليها، أقصد حرب الطوائف، اقتتال الناس، الشعب العراقي بعضه ضد بعض، إن أي محاصصة طائفية في العراق تجر وراءها حربا، قتالا، لأن الغاية من المحاصصة هي هذه الحرب اللعينة، وليس قيم العدل والمساواة كما يدعي بعضهم، حتى لو لم ينتبه دعاتها البسطاء، فإنها كحالة تستبطن مثل هذه النتيجة المخيفة»، مشيرا إلى أنه «لو كان نظام المحاصصة في العراق يملك جذوره العميقة والعريقة لما تعرض للنقد الشعبي حالا، ولما انهار في ظرف سنوات أقل من عدد أصابع اليد الواحدة. نحن هنا في الكاظمية شهدنا انعقاد أكثر من مؤتمر ومؤتمر بين السنة والشيعة، بين ممثلي كل الأديان في العراق، بين العرب والتركمان والأكراد وكانت الكلمة القوية هي: لا للمحاصصة بأي لون كانت وبأي شكل كانت».
إن ما يميز مرجعية السيد الصدر، مرجعية الاعتدال، كما يطلق عليها عراقيا، هو انفتاحها الفكري، وديناميكيتها المتجاوبة مع روح العصر، لتؤسس ليس لتعليم ديني فحسب بل لدور علمي واجتماعي يعلم الناس الدين والحياة، فكانت، دورات تعليم الكومبيوتر والرسم والخط واللغة الإنجليزية والنجارة والخياطة. إذ أنشأ السيد الصدر الكثير من المؤسسات الإنسانية منها مؤسسة الحوار الإنساني، وبنى 90 مسجدا، وأسس دورا للأيتام ومستشفيات ومدارس ومعاهد وفتح قناة «السلام» الفضائية. فهو المرجع الوحيد الذي لا يحتجب عن أجهزة وعيون الإعلام، ويتابع مجريات العصر عبر الوسائل الحضارية من مشاهدة التلفزيون، وتصفح الكومبيوتر، يقول «أشاهد التلفزيون وأقرأ الصحف وأتصفح المواقع الإخبارية على الإنترنت كل يوم، وأرد على بريدي الإلكتروني، وأقابل الناس، وبعد انهيار النظام السابق كنت أخصص 20 ساعة يوميا لمقابلة الناس، والآن أخصص ما بين 10 ساعات إلى 12 ساعة وبعض الأيام أكثر. وغالبا أنام 5 ساعات وممكن أقل أو أكثر».
آية الله السيد حسين الصدر، رجل دين أحبه العراقيون سنة وشيعة، وحتى من غير المسلمين لوقوفه إلى جانبهم لحل مشكلاتهم، وتجلى عن موقف وطني ومبادرة جريئة وعلم غني، ولعله من قلائل علماء الدين ممن يصلي خلفه سنة وشيعة، بل له اتباع ووكلاء من المذهب السني، لانفتاحه على الآخر، غير متعصب أو متحزب، لونه عراقي، ومذهبه إسلامي. وحين نصب الكاردينال عمانوئيل دلي الثالث كأول كاردينال لكنيسة الكلدان الكاثوليكية في العراق وخارجه عام 2007، كرمه السيد الصدر مانحا إياه درعا ومسبحة، وتحدث إلى نخبة من المثقفين ممن حضر التكريم عن قيم التآخي والسلام مشيدا بمواقف الكاردينال دلي الوطنية.
اهتم السيد الصدر بالأطفال والنساء باعتبارهما يشكلان بوابة المستقبل، فانشأ الكثير من ملاجئ الأيتام، ومراكز التدريب وبيوت لإيواء النساء، كما افتتح الكثير من المعاهد التي تهتم بتدريس الفتيات ليتمكن من مواجهة الحياة بإمكانياتهن الإبداعية، وهو يذكر باستمرار بضرورة «إعداد الجميع فكريا وإيمانيا وخاصة المرأة باعتبار أنها أكثر تأثيرا ولذا هي مدعوة لحمل رسالتها وتطوير نفسها ضمن كل الجوانب الإيمانية والعلمية والإنسانية. ويرى أن المطلوب تماما أن تتعلم المرأة أمورا كثيرة وتثقف نفسها والانفتاح على العالم، مشددا على أهمية الالتفات للأمية هذا المرض العضال الذي بدأ يفتك بالعراق بكل شرائحه».
ومن يقم بجولة في المؤسسات التي يشرف عليها مكتب المرجع الأعلى آية الله حسين الصدر، سوف يطلع على حجم الجهود المبذولة لرعاية الأيتام والشيوخ والمعاقين والنساء، بالإضافة إلى وجود جامعة ومكتبات عامة ومراكز صحية، وعن اهتمامه بهذه الجوانب، يقول «الحقيقة نحن هكذا فهمنا إسلامنا والرسالة الإلهية، فهمنا الرسالة الإلهية على أساس أنها نظرية وعمل وليست نظريات وشعارات ومتبنيات فكرية فقط، إنما الرسالة الإلهية جاءت من أجل خدمة الإنسان ومن أجل أن تقدم للإنسان كل ما يلزمه بشكل عام، سواء كان أبناء هذه الديانة أو ديانات أخرى. غالبا ما نقول إن الرسالات السماوية مصدرها واحد، وهو الله سبحانه وتعالى، وهدفها واحد وهو الإنسان، إذن حملة الرسالة لا بد أن يكرسوا ما لديهم من قابليات وطاقات وإمكانيات من أجل خدمة البشرية، وخصوصا أولئك الذين هم بحاجة إلى خدمة ورعاية واهتمام والتفات، ومن أهم هذه الشرائح الأيتام، ولهذا قمنا ببناء دار للأيتام، ولله الحمد، تجمع الكثير من الأيتام من ديانات متعددة، وهم كلهم عراقيون».
ألف السيد الصدر في الأصول والفقه والمنطق، موجها خطابه للعلماء وعامة الناس، للصغار والكبار، وله في ذلك مؤلفات يخص بها الطفل مثلما له مؤلفات يخص بها المرأة حتى تجاوزت كتبه ومؤلفاته المائة والخمسين في المجالات الفقهية والشرعية، منها «حكم تكفير المسلم في القرآن والسنة» و«المسلم بين السخط والرضا» و«بحث حول النية والعبادة» و«دروس في علم المنطق» وفي تفسير القرآن الكريم: «تفسير المختصر» و«تفسير النافع» و«التفسير التعليمي للناشئة» 30 جزءا و«التفسير المصور للأطفال». وتعد مكتبته الضخمة مركزا فكريا وعلميا، إذ تضم عشرات الآلاف من الكتب المتنوعة التي تهتم بمختلف الاختصاصات الإنسانية والعلمية، بينها مخطوطات نادرة، وتعتبر هذه المكتبة ملتقى طلاب العلم من كل الأديان والطوائف والمذاهب والقوميات حيث يزورها طلاب العلم وجماهير الناس لتتزود من المنهل، من دون شروط، وفرض التبعية لهذا وذاك.
ويرى السيد الصدر أن «العالم تجتاحه اليوم تيارات هائلة من الفكر والتصورات والفلسفات المتضاربة والمتناقضة والمتنافسة، سواء على صعيد الدين أو صعيد القيم، أو صعيد العلاقات السياسية، أو النظم الاقتصادية، أو صعيد التربية، أو العلم، وأن هذه التيارات في طريقها للاستزادة والتصاعد والاشتداد». يقول «لأننا نؤمن بأن القرآن الكريم معجزة الدهر، ولأن الكتاب الكريم يقول (كل يوم هو في شأن) فنحن نؤمن بأن هذه الحركة لن تقف، سوف تستمر، ولكن علينا أن نواكبها، بالقراءة وبالرصد، ومن ثم بالتعاطي معها إيجابيا، بقراءتها في ضوء ثوابتنا، ومن ثم يجب أن يكون لنا موقف منها، لا يمكن أن نستمر في استيراد الأفكار».
ويعمل السيد الصدر شخصيا على «خلق جيل عراقي وطني يتفاعل مع العالم، مع الحركة العالمية، من منطلق روحي، عراقي، عربي، إسلامي، كي نساهم في إحياء الروح، حيث إن العالم حقا أخذ يفتش عن الروح مرة أخرى، فالدين عاد أقوى من الماضي، وأن ترشيد الرؤية الدينية العالمية قضية مهمة، لهذا تم تأسيس منبر الحوار العالمي، كمشروع له مكانته الكبيرة من حركة العالم»، منوها بأن «في هذا أن العالم حركة محتشدة بالمتغيرات، والعراقيون يجب أن يساهموا بدورهم، كجزء من هذا العالم، وكوجود له تاريخ مؤثر وقائد. من هنا طرحنا مشروع الإسلام العملي، كمدخل للتعاطي مع هذه الحركة المدهشة».
وينفذ آية الله الصدر أفكاره في منهجية الاعتدال عن طريق مؤسساته الواسعة والمتعددة الاختصاصات والمتوزعة على الجوانب الإنسانية والفكرية والتعليمية والخدمية، فهو يريد لمشروعه الإنساني أن يمتد ويتسع ما دام أن هناك حاجة موجودة في المجتمع. ومؤسسة الحوار الإنساني التي أسسها السيد الصدر هي واحدة من تلك المؤسسات الفكرية الرائدة في مجالها، وتهتم بفتح آفاق الحوار بين المجتمعات والشخصيات والمؤسسات الفكرية في العالم، بمختلف الاتجاهات الفكرية والدينية. ويأتي هذا المشروع ضمن توجهات المرجع الديني، في تحويل الحوار إلى ظاهرة إنسانية عالمية، تغطي كافة المساحات المعرفية، وإحداث تفاعل حضاري بناء بين الأفراد والجماعات.
وللسيد الصدر رأي حضاري في موضوع المواطنة، هذا الرأي قائم على أساس إنساني بحت، يقول «ما دام أن الشخص عراقي فهو قريب لي ومن لحمي ومن دمي وعزيزي وأخي وولدي وأقرب الناس إلي، وكثيرا ما أقول حتى في الإعلام إن الأيزيدي وإن كان أبعد الناس عني دينيا، ولكنه ما دام أنه عراقي فهو ابني وله في العراق من حقوق ما لي، وعليه من واجبات ما علي، ولا بد أن أخدمه وأقدم له ما أتمكن لأنه عراقي، في تقديري أن المواطنة والوطنية العملية تقتضي ذلك، وأن إسلامي وديني وإيماني يأمرني بذلك لأنه يحترم الإنسان قبل كل شيء، وأن الرسالة الإنسانية تفرض علي ذلك لأنه إنسان»، مشيرا إلى أن «الرسالات السماوية بشكل عام ومنها إسلامنا تحترم الرأي الآخر وتعطي مساحة واسعة للتفاعل مع الآخرين، ولهذا عندما أسست أول مؤسسة من مؤسساتنا بعد انهيار النظام وسميناها مؤسسة الحوار الإنساني قلت في تعريفها، ليس المقصود منها أن تتحاور مع الآخر في عقيدته وإنما المقصود منها أن تعرف عقيدته، وأن يعرف كل صاحب عقيدة عقيدةَ الآخر، وليس بمعنى أن يتحاور، بمعنى أن يصحح ويغير تلك العقيدة، ولكن أن يعرفها، وإذا عرفها فلا بد أن يحترمها ويحترم رموزها، وهذا واضح كذلك في القرآن الكريم، في منهج الله سبحانه وتعالى لأنبيائه وحوارهم مع الآخرين، يقول لنبيه الكريم (قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ)، وهذا منتهى الاعتراف بالرأي الآخر، فلي عملي ولك عملك، ولم يقل له، هو ربي فقط وليس بربك، وإن عملي هو المقبول وعملك ليس بمقبول، بل وأكثر من ذلك نرى في آية أخرى في أسلوب الحوار في قوله تعالى (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ) وكأن الرسول يتكلم مع ديانة أخرى أو رأي آخر (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) فهذه مساواة وكأنه يفرض إما أن يكون هو على صواب والآخر على خطأ، أو الآخر على صواب وهو (الرسول) حاشاه، على خطأ، وهذا منهج حواري وفكري رائع، فلم يقل رأيي هو الصحيح وبقية الآراء خطأ، حتى وإن كان يؤمن بذلك داخله، ولكن عندما يتحاور مع الآخر يجعل الأمور وكأنها متساوية، وهذه هي مدرسة الحوار، وما نعمل به في مؤسسة الحوار، فلا بد من احترام الرأي الآخر».
ولأنه يمجد الحوار، ويتخذه منهجا في حياته وعمله، فإن آية الله حسين إسماعيل الصدر يمقت التكفيريين والقتل باسم الدين الإسلامي، وعن رأيه فيمن يقتل باسم الدين يقول «بالتأكيد الديانات السماوية ككل منه براء، والإنسانية منه براء، والإسلام بكل مدارسه وطوائفه ومذاهبه منه براء، فلقد أجمع كل علماء الإسلام على أن من كفر مسلما فقد كفر، وأن من نطق بالشهادتين صار مسلما، وبالتالي حُقن ماله ودمه وعرضه، وكل المسلم على المسلم حرام، والإمام علي في رسالته إلى مالك الأشتر يقول: (اعلم أن الناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، وهذا أعلى مستوى في الاحترام والاعتراف بالآخر، ونود أن نشير إلى أن فقرة (أخ لك في الدين) تعني أي دين سماوي وليس دينا أو مذهبا معينا، بل وإن لم يكن من أي دين سماوي فهو نظير لك في الخلق أي على أساس إنساني، فهذا هو ديننا وإسلامنا، إذن من يقتل ويأمر بالقتل ويسفك الدماء وينتهك الأعراض وينهب الأموال فهو ليس من أي دين سماوي وكل الأديان السماوية منه براء. وما يحدث باسم الجهاد من قتل فهذا ليس دينا، إنه أجندة سياسية تحاول أن تلبس لباس الدين، وأن تتستر بالدين، ولكنها ليست من الدين في شيء».
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق