الخيارات الدولية ضد النظام السوري محدودة جداً وتكاد تقتصر على التصعيد الاعلامي فقط
واشنطن فتحت باب الحوار مع ايران في الكواليس ما اغضب السعودية.. فالتهب العراق بالرسائل الدموية
الديار - جوني منيّر تعقدت الامور في الشرق الاوسط نتيجة التجاوزات غير المحسوبة على صعيد الاحداث في سوريا.
ذلك أن اخصام سوريا او على الاقل ما يمكن تسميتهم بالساعين لاحداث تغيير على مستوى النظام في سوريا، كانوا يراهنون على استمرار استقلالية مدينة حماة، لتشكل لاحقاً عاصمة المتمردين. ولذلك عاشت مدينة حماة والتي تحمل رمزية معينة نتيحة الاحداث التي شهدتها في العام 1983، نوعاً من أنواع الادارة الذاتية او الحكم الذاتي لمدة تزيد عن الاربعين يوما قبل وفود الجيش اليها. يومها كان يعتقد الاتراك أن هذه المدينة ستحافظ على استقلاليتها الذاتية تمهيداً لدور اوسع لاحقاً وكانت زيارة السفيرين الاميركي والفرنسي اليها واضحة الدلالات.
لكن النظام السوري قرر التحرك بعدما وزع للعديد من الاوساط الديبلوماسية وثائق مصورة حول المجموعات المسلحة التي نشأت في المدينة والتي ضمت العديد من المتطرفين الدينيين ما يعني تحويل المدينة الى مغارة للارهابيين. وبذلك باشر النظام خطة الحسم العسكرية بدءا من حماة وصولاً الى مناطق اخرى.
وصحيح أن العواصم الكبرى ولاسيما واشنطن، بقيت صامتة خلال الايام الاولى للعملية، ما فسره البعض بأنه موافقة ضمنية على اقتلاع الخلايا المسلحة للمتطرفين، قبل أن تعود وتدخل بقوة، من خلال المواقف الصادرة عن تركيا والسعودية وبعض الدول الاخرى والهدف هو للضغط على النظام في سوريا لعدم استكمال تحركه ما سيؤدي في النهاية الى القضاء على كامل معارضيه، وهو ما لا تريده واشنطن بالطبع لانها تفضل بقاء الساحة السورية غير مستقرة وبقاء النظام تحت ضغط الشارع ولو من دون خلايا لمتطرفيين اسلاميين.
لكن أوساطاً ديبلوماسية تقرأ أهدافاً اخرى لواشنطن، خلال سياستها المتضاربة مع الأحداث السورية، فتكشف ان خيارات واشنطن ضد النظام في سوريا تبدو محدودة فالتدخل العسكري احتمالاته ضعيفة ان لم تكن معدومة، في ظل مأزق ليبيا والازمة الاقتصادية الخطيرة التي تمر بها الولايات المتحدة الاميركية واوروبا، اضافة الى أن تركيا تعيش سلسلة ازمات داخلية ابرزها تلك الحاصلة بين الحزب الحاكم والمؤسسة العسكرية. كما أن تركيا تعيش وضعا دقيقا مع الاكراد، اضافة الى أن ايران ارسلت اشارات عدة بانها ستكون معنية مباشرة في حال حصول تحرك عسكري عربي على الاراضي السورية، وهو ما سيشمل بطبيعة الحال حزب الله.
كما أن خيارالحصار على سوريا يبدو غير عملي، كون لبنان والعراق سيبقيان على تبادهلما التجاري مع سوريا فيما قد تلتزم تركيا والاردن وهو سيعتبر غير فعال.
لذلك، ربما ان الادارة الاميركية تبدو واقعة في مأزق العراق واحتمال فقدان مكاسب الحرب في حال انسحاب القوات الاميركية من العراق نهاية هذا العام، فانها ختمت تواصلها مع ايران حول الوضع في العراق والذي يشمل الازمة السورية في احد بنوده.
لذلك تراجعت الضغوط الدولية فجأة ضد النظام في سوريا، لا بل ان فرنسا خفت صوتها وغابت انتقاداتها العنيفة والتي ميّزتها مع انطلاق الاحداث. وفيما وجهت طهران اشارة ايجابية مع اعلان مجلس النواب العراقي ترك القرار لمجلس الوزراء حول استمرار وجود القوات الاميركية في العراق، تحرك مقتدى الصدر معلنا مواقف عنيفة فيما يشبه سياسة العصا والمجزرة لأن الملفات متشعبة وتحتاج الى مدى زمني طويل نسبيا.
وبموازاة ذلك تحركت المفاوضات عبر روسيا وألمانيا حول الملف النووي الايراني. في هذا الوقت كان النظام السوري يواصل حملته العسكرية مستفيدا من التطورات الايجابية على الساحة العراقية بين واشتطن وطهران ولأنه كان يدرك بأن اخصامه قد جهزوا مجموعات فلسطينية للتدخل والقتال في مرحلة لاحقة كبديل عن المجموعات المتطرفة، دخل الجيش السوري في مواجهة مباشرة مع هؤلاء في اللاذقية بهدف ضربهم قبل ان يتحركوا لاحقا.
طبعا فإن تركيا ومعها السعودية شعرتا بأن ثمة مفاوضات غير مباشرة تجري بين واشنطن وطهران، وان اثمانا ستدفع في سوريا مقابل اثمان في العراق.
وفجأة انفجر الوضع على الساحة العراقية وجرى توجيه رسائل دموية من خلال اكثر من 15 تفجيراً نفذ معظمها انتحاريون. وقد فسّر ديبلوماسيون ما حصل بأنه رسالة اعتراض سعودية موجهة الى الولايات المتحدة الاميركية حول احتمال تفاهمها مع ايران في العراق وسوريا. ولذلك طال احد هذه الاعتداءات كنيسة مسيحية لاعتقاد يسود البعض بأنه لتأكيد وجهة هذه الرسائل وهي: واشنطن.
لذلك يعتقد المراقبون ان اللعبة تسارعت كثيرا وان الكثير من المراحل جرى تجاوزها، ربما بسبب واقع الادارة الاميركية المأزوم نتيجة الازمة الاقتصادية والاقتراب اكثر فأكثر من الانتخابات الرئاسية، او ربما نتيجة ضيق الوقت في العراق، وانسداد الافق، ما جعل ساحته تلتهب من جديد وسط الرسائل الدموية.
ورغم ذلك تجد بعض الرؤوس الحامية في لبنان التي ترفع عناوين مغرية كونها تلامس الغريزة، فيما يبدو الواقع خطرا، جدا لا بل مخيفا. وكأن هذا البعض يدفع بالساحة اللبنانية لتأخذ مكان الساحة العراقية كساحة لتبادل الرسائل الدموية.
هكذا دائما تجد في لبنان الكثير من المراهقة السياسية، والقليل القليل من الوعي السياسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق