جني يلعب بالسكين !
اعترف عضو الهيئة المتهم بحادثة الطعن في حائل بقيامه بطعن المواطن عطا الله الرشيدي، وشهد ثلاثة شهود أنهم رأوه وهو يطعن المواطن بعد أن دخل معه في جدال حول ضرورة تغطية زوجة الرشيدي لعينيها، ثم تطور الجدال إلى اشتباك بالأيدي قبل أن يستل عضو الهيئة السكين ويسدد طعنتين للمواطن واحدة في ظهره والأخرى في ذراعه، ورغم هذا الاعتراف فإن مئات الآلاف من السعوديين سوف يواصلون إنكار حدوث ما اعترف به عضو الهيئة نفسه، ويلومون الصحافة على متابعة هذا الحادث المثير.وعلى النقيض من هذا الموقف، أظن أن أغلب المدافعين عن عضو الهيئة الطعان كانوا قد استمتعوا بما نشرته الصحف قبل أسابيع من أخبار ومقالات بخصوص قاضي المدينة المنورة المتهم في قضية فساد كبرى، والذي ادعى خلال التحقيق بأنه مسحور يدار من قبل جني استنطقه أحد الرقاة، وهذا يعني أن هذه الفئة من الناس تعتقد أن الدفاع عن الهيئة أهم من الدفاع عن القضاء الشرعي، وهذا موقف عجيب يستحق التأمل الطويل، لأن القضاء الشرعي هو الأصل الأصيل والركن الأهم في بنيان الدولة الإسلامية، أما هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهي اجتهاد سعودي حديث، يهدف إلى حماية المجتمع من الظواهر والسلوكيات والبدع التي لا يقرها الإسلام. الحادثتان نتجتا عن خطأ فردي، ولا تعبران بالضرورة عن المنهج العام للمؤسسة التي ينتمي إليها الفرد المتهم، فلماذا تعاطف البعض مع عضو هيئة حائل ولم يتعاطفوا مع قاضي المدينة المسحور؟، كيف أصبح شيخ السوق أهم من شيخ المحكمة؟، هل يعتقد هؤلاء ــ مثلا ــ أن فساد القاضي يضر بالحقوق العامة والخاصة، وبالتالي فهو يمسهم بشكل مباشر، أما تهور عضو الهيئة فهو لا يمسهم بل يمس الرشيدي وحده؟، أم أنهم يشعرون بأن أخطاء القضاء كبيرة وبالتالي لا يجوز تجاهلها، بينما أخطاء الهيئة صغيرة وعابرة ولا تستحق تضخيمها في وسائل الإعلام؟، أم أن ردود فعلهم هذه تنطلق من فكرة قلقة كامنة في اللا شعور، ملخصها أن بقاء القضاء الشرعي من المسلمات التي لا تحتاج إلى نقاش، فهو فرض إلهي لا بد منه، بينما بقاء الهيئة مرتبط بنجاحها في المهمة التي أنشئت من أجلها؟!.
لا أعلم.. ولكن من وجهة نظري الشخصية، أرى أن انتقاد الصحف للأخطاء الفردية أو حتى بعض الإجراءات العامة يساهم في تطور أي مؤسسة رسمية، وأي مؤسسة رسمية سعودية هي مؤسسة إسلامية ــ بشكل أو بآخر ــ حتى لو لم تكن دينية الطابع، وانتقاد الهيئة يفيدها ويفيد الناس، فالكشف عن حادثة الطعن ساهم في توقيف العضو الذي قام بهذا التجاوز الخطير، وتوقيفه تمهيدا لمحاكمته هو إجراء من شأنه أن يجعل أي عضو آخر يفكر عدة مرات قبل أن يتجاوز النظام، ولو لم تتناول الصحف هذه القضية لعاد عضو هيئة حائل إلى سوق برزان بسكين جديدة ليوجه طعنة أشد عمقا، ولكنها هذه المرة لن تكون في ظهر الرشيدي، بل في ظهر الهيئة وظهور من يظنون أنهم يدافعون عنها بينما هم أكبر المسيئين لها.. فالعدل والمصداقية والشفافية والمحاسبة هي الضمانات الوحيدة لنجاح أي مؤسسة!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق